شبهة: "ورد في الحديث أنه سيظهر ثلاثون كذابا يدعون النبوة؛ فكيف تؤمنون بالميرزا نبيا؟".
الرد:
إن هذا الحديث الشريف بحد ذاته يفيد ضمنا أن هناك مبعوثا صادقا أو أكثر. ومع أنه يشير إلى ظهور متنبئين كذابين، لكنه لا ينفي وجود مسيح حقيقي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم مرارا، وأكد على أهمية بيعته، وسماه "مهديا"، وقال: "بايعوه ولو حبوا على الثلج". من هنا؛ فهو يفيد ضمنيا أن هناك مبعوثا صادقا من عند الله تعالى، وإلا لقال النبي صلى الله عليه وسلم: كل من ادعى أنه المسيح أو المهدي أو وأنه وصل مقام النبوة، فلا تصدقوه.
يقول المسيح الموعود عليه السلام: "يقولون عني: إنه دجال، لأنه قد ورد أن ثلاثين دجالا سيظهرون، ولا يفكرون أنه إذا كان مقدرا أن يأتي ثلاثون دجالون، فكان من المفروض أن يأتي مقابلهم ثلاثون مسيحا أيضا." (حقيقة الوحي). ويتابع حضرته مستخدما أسلوبا استنكاريا تعجبيا فيقول: "ولكن ما أكبر هذه الطامة؛ إذ جاء ثلاثون دجالون، ولم يأت حتى مسيح واحد! ما أشقى هذه الأمة! إذ لم يبقى في نصيبها سوى الدجالين، ولم يكن من نصيبها إلى الآن أن ترى وجه مسيح صادق، بينما قد جاء في السلسلة الإسرائيلية مئات الأنبياء" (حقيقة الوحي).
بهذا؛ يناقش حضرته استدلال الناس بحديث الثلاثين كذابا على تكذيب حضرته. مع أن معنى هذا الحديث: إياكم أن تكفروا بالمسيح والمهدي عند نزوله مهما كثر الأدعياء الكذبة، فهناك ثلاثون كذابا. هذا كل ما في الحديث؛ إنه حضّ على الإيمان، وليس حضًا على التكذيب؛ ذلك أن الكاذب يظهر بكل سهولة أنه كاذب. أما الصادق؛ فيصعب على الناس تصديقه واتباعه رغم وضوح صدقه، لأن الناس لا يميلون إلى الاتباع، بل إلى نظرية: "أنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ". لذا، جاء هذا الحديث يؤكد على أهمية الإيمان مهما كانت الظروف والاتهامات، ومهما كثر الأدعياء والمشوّشون عند نزول المسيح المهدي. أما العدد "الثلاثين"؛ فالله أعلم فيما إذا كان تعبيرًا عن الكثرة أم أنه مقصود لذاته، وإن كان مقصودا، فالله أعلم من هم. وليس مهما البحث فيهم، بل المهم هو أخذ العبرة من الحديث. ومع هذا؛ فيرى البعض أن هذا الحديث يقول: لن يبعث الله مهديا ولا مسيحا، لأنه ورد في آخره: "وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بَعْدِي". مع أن المعنى إن صحت هذه الإضافة عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ أن هؤلاء الثلاثين كذابا سيدعون النبوة بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والتي تتضمن أنه ليس خاتم النبيين، بل يزعمون أنهم نالوا النبوة من دون اتباعه، أي أنهم سيكونون مختلفين عن المسيح المهدي الذي بشر النبي صلى الله عليه وسلم ببعثه وأمر بمبايعته، فهذا المسيح سيكون تابعا للنبي صلى الله عليه وسلم ومختوم بختمه وخادما له ومصليا عليه. فالذي يحتج بهذا الحديث على تكذيب المسيح الموعود عليه السلام يقع في تناقض صارخ؛ لأنه يتغاضى عن مئات الروايات التي تبشر بنزوله، ويستدل برواية واحدة. ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي تحدث عن ثلاثين كذابا هو نفسه الذي أمر بالإيمان بالمسيح النازل. وحيث إن المسيح قد مات يقينا، فقد ثبت أن المقصود بنزوله بعثة شخص شبیه به من هذه الأمة، وحيث إن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، فلا بد أن يكون هذا المسيح تابعا لشريعته، وتعبير: لا نبي بعدي هنا؛ يعني: لا نبي يخالفني، كما هو معنى "بعد" في الآية: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ الله وَءَايَاتِه يُؤْمِنُونَ). فصار معنى الحديث؛ أن الثلاثين كذابا سيدعون النبوة المستقلة، مع أنني خاتم النبيين، فلا مجال لأن يأتي نبي يخالفني بشرع مستقل عني.
ومع ذلك؛ فيبدو أن عبارة "وأنا خاتمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبيَّ بَعْدِي" قد أدرجها أحد الرواة، أي أنها ليست من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدليل هو مراجعة هذه الروايات كلها، حيث ورد الحديث عن خمسة من الصحابة، ولم تأتي عبارة: "وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بَعْدِي". إلا من أحد طرق ثوبان، بينما ورد عنه متن من غير هذه الزيادة، وهذه هي طرق الرواية:
1: طريق أبي هريرة: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلُ فِئتَانِ؛ فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ. وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ" (البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود).
2: حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ عَنْ الْمُختَارِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيَّ السَّاعَةِ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا" (مسند أحمد، كتاب مسند المكثرين من الصحابة).
3: حديث جابر: عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ كَذَّابُونَ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْيَمَامَةِ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ صَنْعَاءَ الْعَنَسِيُّ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ حِميرَ، وَمِنْهُمْ الدَّجَّالُ، وَهُوَ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةٌ". قَالَ جَابِرٌ: "وَبَعْضُ أَصْحَابِي يَقُولُ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا" (مسند أحمد، كتاب باقي مسند المكثرين).
4: حديث أبي بكرة: عَنْ أَبي بَكْرَة قَالَ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي مُسَيْلِمَةَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ شَيْئًا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ خَطِيبًا فَقَالَ: "أَمَّا بَعْدُ فَفِي شَأْنٍ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي قَدْ أَكْثَرْتُمْ فِيهِ، وَإِنَّهُ كَذَّابٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا يَخْرُجُونَ بَيْنَ يَدَيَّ السَّاعَةِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَلْدَةٍ إِلَّا يَبْلُغُهَا رُعْبُ الْمَسِيحِ إِلَّا الْمَدِينَةَ عَلَى كُلِّ نَقبٍ مِنْ نِقَابِها مَلَكَانِ يَذَّبَّانِ عَنْهَا رُعْبَ الْمَسِيحِ" (مسند أحمد، كتاب أول مسند البصريين).
5: طريق ثوبان: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ، وَحَتَّى يَعْبُدُوا الْأَوْثَانَ. وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ كَذَّابُونَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنا خاتم النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بَعْدِي" (سنن الترمذي، كتاب الفتن عن رسول الله).
وهناك بمتن قريب رواه أبو داود، كتاب الفتن والملاحم. وحتى حديث ثوبان؛ فقد ورد بمتن آخر: "وَإِنَّ بَيْنَ يَدَيَّ السَّاعَةِ دَجالِينَ كَذَّابِينَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبي. وَلَنْ تَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ مَنْصُورِينَ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ." (ابن ماجة).
تعليقات
إرسال تعليق