التخطي إلى المحتوى الرئيسي

شبهة: "آية: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبي". دليل على أن "النبي" غير "الرسول".

 شبهة: "آية: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبي". دليل على أن "النبي" غير "الرسول".



الرد:

      نحن قلنا إن كل "رسول نبي" وكل "نبي رسول"، ولم نقل إن معنى كلمة "النبي" هي ذاتها معنى كلمة "الرسول". فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم "رسول" و"نبي". أي أن الله تعالى أرسله إلى البشر، وأنبأه بوحي من لدنه سبحانه. وهكذا آدم ونوح وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام، وغيرهم من الرسل الأنبياء. 

ف: "الرسول" من أرسله الله تعالى برسالة إلى البشر، سواء أكان معه كتاب جديد من عنده عز وجل، أم كان عاملا بكتاب رسول سبقه.

- و"النبي" هو من أنبأه الله تعالى بكثرة، وجاء قومه بنبوءات كثيرة، حيث إن كلمة "النبي"؛ هي من صيغ المبالغة. سواء أجاء بكتاب جديد من عنده تعالى، أم كان عاملا بكتاب نبي سبقه. 

      إذن؛ إن كل "رسول نبي"، وكل "نبي رسول". لكن أصل التسمية مختلفة. ولكل لفظة معناها الخاص. 

      إن الآية الكريمة 53 من سورة الحج تقول: "وما أرسلنا من رسول برسالة إلى البشر، ولا نبي أنبأناه بوحي من عندنا. إلا إذا تمنى تحقيق إنجاز، وضع الشيطان العراقيل في طريقه، ولكن الله تعالى يفشل الشيطان في النهاية، وينصر رسوله. فالآية الكريمة لا تقول بأن "الرسول" غير "النبي".

      أما المستدلون بها على أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا؛ فنقول لهم: على هذا المعنى فإن في الآية كلمة زائدة، وهي كلمة "رسول". إذ إن كل رسول نبي حسب قولكم، فكان يكفي أن تقول الآية وما أرسلنا من نبي إلا إذا تمنى ... . على أن هؤلاء القائلين بذلك قد أغفلوا عددا من الآيات القرآنية القاطعة في دلالتها على أن كل "رسول نبي" وكل "نبي رسول"، ولم يتحدثوا إلا عن هذه الآية؛ رغم أنها تعارض مفهومهم من غير أن يتنبهوا لذلك.

      وأما أدلتنا على أن كل "رسول نبي" وكل "نبي رسول"، فهي: 

1 - قوله تعالى: "كان النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ الله النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ" (البقرة: 214). وقوله تعالى: "وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ" (الأنعام: 49).

* وجه الاستدلال:

      لقد بعث الله تعالى "النبيين" ليبشروا الناس ولينذروهم، كما بعث "الرسل" للغاية ذاتها، حيث استعملت الألفاظ نفسها مع النبيين ومع المرسلين. لذا فإنَّ "الرسول" الذي أرسله الله إلى الناس لا يمكن إلا أن يكون "نبيا"، ومتى كان "نبيا" فلا بد أن يكون "رسولاً". وإلا؛ فما معنى أن يكون "نبيا" أنبأه الله تعالى؟ أليس عليه واجب التبليغ والإنذار؟



2- قوله تعالى: "رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ" (النساء: 166).

* وجه الاستدلال:

      لقد جاءت هذه الآية الكريمة مباشرة بعد ذكر مجموعة من أنبياء بني إسرائيل وغيرهم، وقد كان بعض هؤلاء أنبياء تشريعيين، وكان بعضهم أنبياء تابعين. وبعضهم أوتي كتابًا، وبعضهم لم ينزل عليه كتاب. وسمي هؤلاء جميعا "رسلاً". أما الآيات التي سبقت هذه الآية الكريمة؛ فهي قوله تعالى: "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ الله مُوسَى تَكْلِيمًا" (النساء: 164-165). ويليها مباشرة قوله تعالى: "رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا".

3- قوله تعالى: "ولقد آتينا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بالرُّسُلِ" (البقرة: 88). 

* وجه الاستدلال:

      ولا خلاف في أن الأنبياء الذين أرسلوا إلى بني إسرائيل من بعد موسى عليه السلام لم تكن معهم شريعة، بل كانوا تابعين لشريعة موسى، وحيث إن الله تعالى سماهم رسلاً، فلا بد أن يكون المبعوث من عند الله تعالى "رسولاً" حتى لو كان تابعًا، لذا فكل "نبي رسول".

4- وصف الله تعالى نبيه إسماعيل بأنه: "رسول نبي"، وذلك بالرغم من أنه لم يؤت شريعة من عنده سبحانه وتعالى، لقوله عز وجل: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا" (مریم: 55).

5- وصف الله تعالى سيدنا إبراهيم عليه السلام بأنه "صِدِّيقًا نَبِيًّا"؛ بدليل قوله تعالى: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا" (مريم: 42).

* وجه الاستدلال:

       ولو كان "النبي" هو من لم يؤت الشريعة، لما صح هذا الوصف، بل لوجب أن يقال: "صِدِّيقًا رسولا

6- وصف الله تعالى سيدنا موسى عليه السلام بأنه "رسول نبي"، وذلك في قوله تعالى: "وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا" (مريم، 52). 

* وجه الاستدلال:

      وحيث إن سيدنا موسى عليه السلام قد بعثه الله تعالى بشريعة جديدة، فإن وصفه؛ ب: "نبي" بعد وصفه؛ ب: "رسول" لا قيمة له حسب التفسير التقليدي، إذ ما دام كل "رسول نبي" والعكس ليس بصحيح، فما قيمة أن تتبع كلمة رسول بكلمة نبي؟ وأما حسب قولنا؛ فإن الآية الكريمة تصف موسى عليه السلام بأنه رسول من عند الله تعالى، وأن الله تعالى قد آتاه نبوءات من عنده. كما يمكن أن يستنتج منها أن الأنبياء عليهم السلام يبلغون مرتبة الرسالة أولا ثم مرتبة النبوة. والنبوة مرتبة لا بد أن يصلها الرسول، لذا كان كل رسول نبيا وكان كل نبي رسولا، فالنبوة تستوجب الرسالة، وهي بنفس الوقت غاية الرسالة.



من أين أتوا بهذا التفريق؟

      لو تم تتبع الآيات القرآنية التي ذكرت الأنبياء والرسل عليهم السلام؛ فلن يُلاحظ أن "النبي" هو من ليس معه شريعة وأن "الرسول" هو من معه شريعة. هذا لا يمكن ملاحظته من خلال الآيات القرآنية. ويبدو أنه لما لاحظ القائلون بالتفريق بين "النبي" و"الرسول"؛ أن بعض الرسل معه شريعة، وأن بعضهم ليس معه شريعة، قالوا أنه لا بد من أن يُطلق على هذا النوع اصطلاح مختلـف عـن الاصطلاح الذي يطلق على ذلك النوع. فمنطلق هؤلاء صحيح، وهو أنه لا بد من اصطلاح خاص بكل نوع، لكن تحديد هذا الاصطلاح كان خطأ، فلو تمعنوا في الآيات القرآنية لعلموا أن كلمة (رسول) أطلقت على "النبي" التشريعي وغير التشريعي، ومثلها كلمة (نبي) فقد أطلقت على كليهما. لذا؛ لا بد من البحث عن اصطلاح آخر للتفريق ولا مشاحة في الاصطلاح. ونحن قلنا: إن من بعثه الله بكتاب جديد وشريعة جديدة؛ فيمكن أن نسميه رسولا ونبيا تشريعيا، أو رسولا صاحب كتاب، أو أي اصطلاح آخر يعبر عن هذا التفريق. وأن من جاء تابعا لنبي سبقه؛ فيمكن أن تسميه نبيا تابعا، أو رسولا تابعا، أو نبيا غير تشريعي، أو رسولا غير تشريعي، أو أي اصطلاح آخر يعبر عن ذلك.


      إن كل مبعوث من الله تعالى هو "رسول" من جهة علاقته مع الله تعالى، وهو "نبي" من جهة علاقته مع الناس؛ فهو "رسول" أولاً و"نبي" ثانيا.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أي الفريقين كان غراسا للإنجليز، وعميلا للقوى الغربية: الأحمدية أم معارضوها من الوهابيين؟

أي الفريقين كان غراسا للإنجليز، وعميلا للقوى الغربية: الأحمدية أم معارضوها من الوهابيين؟ * الوهابيون هم "غراس الإنجليز": ومن عجائب قدرة الله أنه تعالى انتقم للأحمدية وأظهر الحق بلسان أعدائهم، حيث تبادلت هذه الفرق الإسلامية نفس التهمة فيما بينها، وسمت بعضها بعضا بأنها "غراس الإنجليز"، في حين أن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود الله لم يستخدم هذه التسمية لفرقته أبدًا.       فقد ورد في مجلة "جتان" عن البريلويين ما يلي: "إنهم أفتوا بأن الإنجليز هم أولو الأمر، وأن الهند دار الإسلام. ثم تحول هذا الغراس الذي غرسه الإنجليز بعد أيام إلى حركة دينية." (مجلــة "جتــــان" الصادرة في لاهور، عدد ١٥ أكتوبر ١٩٦٢م).        وكتب مدير مجلة "طوفان": " بكل مكر ودهاء، غَرَسَ الإنجليز غراس الحركة النجدية (أي الوهابية) أيضا في الهند، وتولوا رعايتها بأنفسهم إلى أن اكتمل نماؤها وازدهارها" (مجلة "طوفان" الباكستانية، عدد ٧ نوفمبر ١٩٦٢م). * الحقائق تتكلم !       الواقع؛ إن إلصاق التهم ليس بدليل، كما إننا لا نعتبر اتهامهم لنا بأننا غر

شبهة: "ادعى المرزا أنه "المهدي"؛ لإصابته بالهستيريا".

شبهة:   " ادعى المرزا أنه "المهدي"؛ لإصابته بالهستيريا". الرد:       لقد رد المسيح الموعود عليه السلام على هذا الانتقاد، حيث كتب في كتابه "إزالة الأوهام" في سنة 1891م ردا على انتقاد المعارضين ما تعريبه : "... الانتقاد الثاني الذي وُجّه إلي بأنني ما ادعيت بكوني مسيحا موعودا إلا بسبب الهيستريا والجنون، فإنني أقول ردّا على هذا؛ بأني لا أغضب على من يتهمني بالجنون أو بإصابة في العقل، بل أفرح لذلك لأن كل نبي ورسول سمي بهذا الإسم أيضا في  زمنه، ونال المصلحون هذا اللقب من أقوامهم منذ القدم، وأنا سعيد لتحقق هذا النبأ عني أيضا، فقد تلقيته من الله سبحانه وتعالى ونُشِرَ في كتابي: "البراهين الأحمدية"، وقد جاء فيه أن الناس سوف يقولون ع ني أني مجنون..." (الخزائن الروحانية ج 3 - كتاب: إزالة الأوهام، ص403).   ثم كتب حضرته أيضا، تعريبا عن الأردية: ". .. كان الله سبحانه وتعالى يعلم أنه لو أصابني مرض خبيث كالجذام أو الجنون أو العمى أو الصرع. فيستنتج الناس منه نزول الغضب الإلهي عليّ، ولأجل ذلك بشرني قبل فترة طويلة، وسجّلتُ بشارته في كتابي: "البراه

شبهة: "تناقض الميرزا؛ فتارة يقول أن النصارى لم يفسدوا في حياة المسيح، وتارة يقول عكس ذلك".

  شبهة: "تناقض الميرزا؛ فتارة يقول أن النصارى لم يفسدوا في حياة المسيح، وتارة يقول عكس ذلك".        أكد الميرزا أن المسيح الناصري عليه السلام قد مات قبل فساد دين النصارى، وذلك بقوله: "انظر كيف ثبت وقوع موته قبل فساد مذهب النصارى واتخاذهم عيسى إلها"(حمامة البشرى). ولكنه وصف بولس بأنه "أول رجل أفسد دين النصارى، وأضلهم، وأجاح أصولهم ومكر مكرًا كبارا" (حمامة البشرى). أليس هذا تناقضا، فبولس مات سنة 64 ميلادية، أي أن النصارى فسدوا قبل هذه السنة، ولكن المسيح مات سنة 120 ميلادية كما تقولون، فكيف لم يفسد دين النصارى قبل سنة 120  ميلادية ، وفسد بعد سنة 64  ميلادية ؟ الرد:       المقصود من الفساد في العبارة الأولى: (انظر كيف ثبت وقوع موته قبل فساد مذهب النصارى، واتخاذهم عيسى إلها) ، هو تأليه المسيح. فهذا لم ينتشر ولم يصبح عقيدة أكثر النصارى إلا بعد سنة 325  ميلادية ، وذلك عند دخول "قسطنطين" المسيحية وتلاعبه بها. والمقصود بالفساد في العبارة الثانية التي اعتُبر فيها بولس؛ بأنه أول رجل أفسد دين النصارى، وأضلهم، وأجاح أصولهم؛ هو أن بولس قد بذر هذه البذرة، ولك